تسمية البدرشين .. المدينة الكبيرة في جنوب الجيزة والتي ارتبط اسمها دوما بتاريخ مدينة منف القديمة عاصمة مصر الأولى ومقر أول حكومة بالمعنى المفهوم في التاريخ ، ولكن ما معنى كلمة "بدرشين" وكيف جاء هذا الاسم .. في هذا الموضوع نستعرض عدة وجهات نظر و أراء مختلفة عن اسم البدرشين.
خلف كل إسم قصة .. وخلف كل مكان حكاية تروي تاريخها وتروي أيضا سبب تسمية المكان بهذا الإسم. مدينة البدرشين أيضا لها العديد من القصص والحكايات وروايات الأثر التي اختلفت حول إسم البدرشين. وهناك ثلاث فرضيات حول أصل تسمية البدرشين بهذا الاسم نستعرضها جميعا هنا.
رسم تخيلي للبدرشين قديما بريشة رسام اجنبي
ارتباط قصة سيدنا يوسف عليه السلام بإسم البدرشين وقرية العزيزية
هذه القصة المشهورة والمتداولة منذ قديم الأزل عن ارتباط اسم البدرشين بقصة سيدنا يوسف مع السيدة زليخا امرأة العزيز. لم تكن هذه القصة مجرد أسطورة تتداولها ألسنة الأجيال جيل بعد جيل، ولكنها وردت أيضا في كتاب المخططات التوفيقية لعلي باشا مبارك حينما تحدث عن البدرشين ووصفها وعمارتها وتاريخها. فقد أورد تلك القصة في سبب التسمية وأن هذه القصة متداولة منذ العصور القديمة حيث يقال أن البدرشين كان محلها جزيرة كثيفة الشجر وكان بها قصرا للسيدة زليخا في عهد الملك الريان. فلما وضع سيدنا يوسف عليه السلام يده على خزائن الأرض خرج في موكب على البحر وقابل السيدة زليخا فقالت له سبحان من أزل الملوك وأعز العبيد فلم يعرفها وقال لها من أنت؟ فأجابته أنا زليخا .. فرد قال " أصبح البدر شينا " أي ذهب جمال البدر وأصبح لا يحمل شيئا من جماله فأطلق اللفظ على المكان وظل الاسم متداولا فيما بعد ذلك من عصور.
وهذه القصة بها الكثير من التفنيدات وبها كثير مما ينافي الواقع والمنطق وتعتبر أقل القصص مصداقية حول تسمية البدرشين بهذا الإسم، وأول أسباب ذلك أن اللغة العربية لم تكن موجودة في مصر في هذا الزمن ولم يكن متداولا ألفاظ مثل البدر أو مثل كلمة شين. وكانت اللغة وقتها لغة مصر القديمة وحتى على اعتبار أن سيدنا يوسف كان من العبرانيين أصلا وأتى الى مصر غلاما وعلى فرض أنه يعلم لغته القديمة فكانت العبرانية أو الاردية القديمة وليست العربية.
ثاني الأسباب أن هذه الرواية بتلك الكيفية هو حديث مقتصر بين نبي الله يوسف عليه السلام والسيدة زليخا لم يتخطي إلى وصف المكان ولم يتجاوز الى كل الأسماع حتى يكون مدعاة لإطلاق الاسم على مكان الواقعة أو الحديث. والله تعالى أعلى وأعلم
واحدة من أقدم الخرائط الموجودة لمركز البدرشين ويلاحظ اختلاف اسماء القرى والكفور عن المتداول حاليا
ارتباط أصل تسمية البدرشين باللغة الهيروغليفية القديمة
وجهة النظر الأخرى لأصل تسمية البدرشين يتبناه رجال الأثار وعلماء المصريات. فالأستاذ سامي حرك عالم المصريات أرجع التسمية إلى إرتباط الإسم باللغة الهيروغليفية القديمة كاملا. فذكر :
البدرشين: إسمها مصري قديم يعني منظر أو مشهد الشجرة أو الشجرة المقدسة, حيث "بتر" = منظر/ مشهد, و"شين" = شجرة, في الزمن القديم كانت البدرشين ضاحية وغابة وحدائق ملكية مجاورة لعاصمة مصر القديمة "منف" خصصت لزراعة شجر الـ"يشد", وهي أشجار عالية, تراها في كتاب الموتى "بر-إم-هرو", وهي أول شجرة إستخدمت في عيد شجرة "أوزير".
التي تتغذى من نهر النيل وتظهر احدى الصور تلك الشجرة و هي تتغذى من النيل و تسقى و تغذى أهل مصر من حولها الأحياء فى الأرض و الأحياء فى الجنة فحتى الكا الموجودة فى أعلى الصورة على ساق الحى بالجنة ترتوى منه أنها ماء المحيا"
ولهذا الرأي وجاهته حيث جاء من أحد المتخصصين بالإضافة إلى اتساقه مع الطبيعة الجغرافية التي أظهرتها أقدم الخرائط لمنف والتي وضحت وجود 7 أفرع للنيل وقتها وأن البدرشين كانت جزيرة بين هذه الأفرع مليئة بالأشجار العالية وبنبات البردي بشكل كبير. كما أن الأسم ذكر في أكثر من مصدر قديم بإسم بتر شين و بطر شين وأن التخفيف الى حرف الدال جاء مع دخول اللغة العربية إلى مصر.
خريطة نادرة توضح المسارات القديمة لأفرع النيل وتغييراتها على مر العصور
وجهة النظر الثالثة حول تسمية البدرشين بهذا الإسم
في بعض المصادر والقواميس القديمة جدا للغات القبطية والرومانية ذكر في تعريف رداء الكهنة والقساوس والرهبان والاوشحة على صدورهم أنه كان يأتي من عاصمة مصر القديمة منف وكان يصنع من الكتان المصري ونبات البردي وأشجار منف وأنه كان يصنع بأرض اشتهرت بصناعة البطارش ( أوشحة الكهان) وأطلق على صناعها بطارشة وبطرشين وأطلق عليها أرض البطرشين في عهد البطالمة والرومان وكانت تصدر إلى أوروبا وكل أرض المملكتين وكان يعرف مصدرها بين التجار بأن مصدرها البطرشين " صناع البطرش" في جزيرة بأرض منف عاصمة مصر القديمة. وأن الاسم تحور مع الازمان من أرض البطرش والبطارشة والبطرشين الى البدرشين وهناك العديد من الأسماء القديمة التي تم تخفيف بعض الحروف من اللغات القديمة الى حروف أخف نطقا مع دخول اللغة العربية إلى مصر.
وبالفعل حتى زمن الدولة العثمانية عرفت المنطقة بكثرة وجود مغازل الكتان والنسيج واشتهرت بصناعة أنواع معينة من المنسوجات والأزياء. والله أعلم
رسم تخيلي قديم جدا لشكل وطبيعة الحياه والملابس في منف في العصر البطلمي والروماني
وتبقى حقيقة الاسم غير حاسمة وتقبل المزيد من البحث والاجتهاد دائما .. ولكن عرضنا في هذا الموضوع ما توصلنا إليه من كل المصادر والتي تناولت تاريخ أسماء البلاد .. والحقيقة الظاهرة أن البدرشين هي واحدة من أقدم مدن مصر تاريخا وورد اسمها في أقدم الكتب مثل تاج العروس وتحفة الارشاد في اسماء البلاد وتاريخ المدن المصرية و مخططات المقريزي وكتاب وصف مصر لعلماء الحملة الفرنسية وظهر في بعضها باسم " البدرشين وبين قوسين " أم عيسي" " ولكن لا يوجد دليل قاطع على وجود هذا الاسم في العصور القديمة قبل عصر الرومان. وكان السائد وقتها هو أسم منف وممفيس و من نفر .
بحث واعداد / محمد سعد المتناوي
المزيد :
قرية زاوية دهشور بالبدرشين، تبهر الجميع بحفل تكريم 500 من حفظة القرآن الكريم
البدرشين والعياط .. أصل واحد قسمته الحدود الادارية .. تعرف على التاريخ الاداري للمركزين
البدرشين .. الملف التعريفي بمركز ومدينة البدرشين .. التاريخ والحاضر والسكان